ثم أحدثوا إليها أسماء أخرى فى هذة وهى : الأحد والأثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت ويبتدؤن بالشهر من عند رؤية الهلال .وكذلك شرع فى الإسلام كما قال الله تعالى " يسئلونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج " . ثم منذ سنين نبتت نابتة ونجمت ناجمة ونبتت فرقة جاهلية فنظروا لأخذهم بالتأويل وولوعهم بسب الآخذين بالظاهر بزعمهم إلى اليهود والنصارى فإذن لهم جداول وحسابات يستخرجون بها شهورهم ويعرفون منها صيامهم والمسلمون مضطرون إلى رؤية الهلال وتفقد ما إكتساه القمر من النور وإشترك بين نصفه المرئى ونصفه المستور ووجدوهم شاكين فى ذلك مختلفين فيه مقلدين بعضهم بعضا بعد إستفراغهم أقصى الوسع فى تأمل مواضعه وتفحص مغاربه ومواقعه ثم رجعوا إلى أصحاب علم الهيئة فألفوا زيجاتهم وكتبهم مفتتحه بمعرفة أوائل ما يراد من شهور العرب بصنوف الحسابات وأنواع الجداول فظنوا إنها معمولة لرؤية الأهلة وأخذوا بعضها ونسبوه إلى جعفر الصادق رضى الله عنه وزعموا أنه من أسرار النبوه .

    وتلك الحسابات مبنية على حركات النيرين الوسطى دون المرئية أعنى المعدلة ومعمولة على أن سنة القمر ثلاثمائة وأرعة وخمسون يوما وسدس . وإن ستة أشهر من السنة تامة وستة ناقصة وأن كل ناقص منها تال لتام على ما عمل عليه فى الزيجات وذكر فى الكتب المنسوبة إلى عللها فلما قصدوا إستخراج أول الصوم وأول الفطر بها خرجت قبل الواجب بيوم فى أغلب الأحوال فإرتبكوا حينئذ وأولوا طرفا من قول النبى صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فقالوا إن معنى قوله صوموا لرؤيته صوم اليوم الذى يرى فيه الهلال فى عشيته كما يقال تهيئوا لإستقباله فتقدم التهيئو للإستقبال قالوا وإن شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين .

     فأما أصحاب الهيئة ومن تأمل الحال بعناية شديدة فإنهم يعلمون أن رؤية الهلال غير مطردة على سنن واحد لإختلاف حركة القمر المرئية بطيئة مرة وسريعة أخرى وقربه من الأرض وبعده وصعوده فى الشمال والجنوب وهبوطه فيهما وحدوث كل واحد من هذة الأحوال له فى كل نقطة من فلك البروج ثم بعد ذلك لما يعرض من سرعة غروب بعض القطع من فلك البروج وبطء بعض وتغير ذلك على إختلاف عروض البلدان وإختلاف الأهويه أما بالإضافة إلى الباد الصافية الهواء بالطبع . والكدورة المختلطة بالبخارات دائما والمغبرة فى الأغلب وأما بالإضافة إلى الأزمنة إذ غلظ فى بعضها ورق فى بعض وتفاوت قوى البصر للناظرين إليه فى الحدة والكلال وإن ذلك كله على إختلاف بصنوف الإقترانات كائنة فى كل أول شهرى رمضان وشوال على أشكال غير معدودة وأحوال غير محدودة فيكون لذلك شهر رمضان ناقصا مرة  وتاما مرة أخرى وأن ذلك كله يتفنن بتزايد عروض البلدان وتناقصها فيكون الشهر تاما فى البلدان الشمالية مثلا وناقصا هو بعينه فى البلدان الجنوبية منها وبالعكس ثم لا يجرى ذلك فيها على نظم واحد بل يتفق فيها أيضا حالة واحدة بعينها لشهر واحد مرارا متوالية وغير متوالية .

    فلو صح عملهم مثلا بتلك الجداول والحسابات وإتفق مع رؤية الهلال أو تقدمة يوما واحدا كما أصلوا لإحتاجوا إلى إفرادها لكل عرض على أن إختلاف الرؤية ليس متولدا من جهة العروض فقط لكن لإختلاف أطوال البلدان فيها أوفر نصيبا لأنه ربما لم ير فى بعض البلاد ورأى فيما كان أقرب منه إلى المغرب وربما إتفق ذلك فيهما جميعا وذلك مما يحوج أيضا إلى إفراد الحساب والجداول لكل واحد من أجزاء الطول فإذن لا يمكن ما ذكروه من تمام شهر رمضان أبدا ووقوع أوله وآخره فى جميع المعمور من الأرض متفقا كما يخرجه الجدول الذى يستعملونه . وقد إصطلح علماء هذا الفن لأجل ضبط الجداول على جعل المحرم 30 يوما وصفر 29 وهكذا شهر كامل وشهر ناقص إلى ذى الحجة فيكون 29 يوما فى السنة البسيطة و30 فى السنة الكبيسة فالسنة 354 يوما والكبيسة 355 وفى كل 30 سنة إحدى عشرة سنة كبيسة وهى مايقابل الحروف المنقوطة فى هذا البيت :

                                     إن لم تكن عونا لنا                     ياوتر من للخلق ساتر

    وأما الشهر الشرعى فأوله من رؤية الهلال بعد غروب الشمس إلى رؤيته ثانيا وهو قد يوفق الشهر الإصطلاحى وقد يخالفة وقد تتوالى أربعة أشهر 30 - 30 وثلاثة أشهر 29 - 29 ولا يتوالى أكثر من ذلك .وقد بنى التاريخ العربى على الدورة القمرية من إجتماع القمر بالشمس إلى إجتماعها به مرة تالية ومدة هذة الدورة فى الحقيقة أكثر من دورة لأن القمر حينما يكون قد دار دورة كاملة حول الأرض ويرجع إلى النقطة التى فارق فيها الشمس فى مدة 27 يوم و7 ساعات و43 دقيقة و 3 ثوانى  يجد الشمس أو الأرض قد غيرت موضعها وتقدمته بما يقرب من 27 درجة تقريبا فيحتاج إلى مدة أخرى يقطعها لكى يبلغ الشمس ويجتمع بها أى يحازيها وذلك بدء الشهر ومولد الهلال الجديد فالواقع أن الشهر القمرى هو مدة دورة القمر حول الأرض مضافا إليها سير الشمس أو الأرض فى مدة هذة الدورة أو بعبارة أخرى من إجتماع النيرين إلى مثله وقد قدمنا أن متوسط ذلك هو 29 يوما و 12 ساعة و 44 دقيقة و 3ثوانى  فمتوسط سير القمر فى اليوم 13 درجة و 10 دقائق و 35 ثانية فى اليوم ذلك بحساب الوسط . أما السير الحقيقى  فيزيد عن ذلك وينقص كما سيأتى فإذا  كان التاريخ مستعملا بحسب سير القمر المتوسط قيل له الشهر القمرى الوسطى أو الإصطلاحى وإذا كان مستعملا بحسب سير القمر الحقيقى قيل شهرا قمريا حقيقيا هلاليا وقد كان العرب يعتبرون الشهر القمرى من رؤية الهلال إلى مثلها لعدم معرفتهم بالحساب بدقة وجاء الإسلام فأقرهم على ماهم عليه ولم يضيق عليهم بإستعمال الدقة فى الحساب بل حث عليه كما فى الأية الشريفة " الشمس والقمر بحسبان " " ولتعلموا عدد السنين والحساب " صدق الله العظيم وعلى هذا ينقسم التاريخ العربى إلى 3 أنواع

 1 -    التاريخ الوسطى القمرى الإصطلاحى وهو المبنى على حساب متوسط سير القمر السابق .

 2-     التاريخ القمرى الحقيقى وهو المبنى على سير القمر الحقيقى من إجتماع النيرين إلى مثله .

 3-     التاريخ الهلالى الشرعى وهو لا يعتمد الشهر إلا برؤية الهلال .

     على أن الفرق بين هذة التواريخ القمرية لا يزيد عن يوم واحد والشهر المستعمل بحساب النوع الثانى القمرى الحقيقى والثالث الهلالى الشرعى يتفق فى أغلب الحالات لأن الرؤية تابعة لسير القمر الحقيقى ولا يختلفان إلا فى حالة عدم إمكان الرؤية بعد إجتماع النيرين ( الشمس والقمر ) الذى هو مولد هلال الشهر الجديد عند الفلكيين ويعتبرون أول الشهر الليلة التالية له سواء رؤى الهلال فيها أو لم يرى .

    والتاريخ الثابت على وتيرة واحدة ويمكن تدوينه بالجداول كالتواريخ الأخرى إنما هو التاريخ القمرى الوسطى الإصطلاحى وهو الذى سنشرحه ونسير عليه أولا ونؤجل شرح حساب الشهر القمرى الحقيقى وحساب إجتماع النيرين ورؤية الهلال الشرعى  إلى باب خاص به فى الجزء الثانى من الزيج بإذن الله تعالى . واليوم عند العرب يبتدىء من غروب الشمس لأن الشهر العربى عندهم يبتدىء من رؤية الهلال وهو يكون بعد غروب الشمس وإذن فالليل عندهم سابق النهار .

واليوم عند الهنود يبتدىء من شروق الشمس ولذلك سموه ( سابن ) أى طلوعيا وعليه فالنهار عندهم سابق الليل .

واليوم عند الفلكيين يبتدىء من نصف النهار لأن الغروب أو الشروق لا يظهر إلا عند الأفق . وحيث أن الأفق لا يؤمن من حدوث إرتفاعات أو إنخفاضات . ولا يمكن ضبط ذلك إلا بعد إجتهاد شديد وخوفا من الشك جعلوه من نصف النهار حيث يكون سهل المأخذ مضبوطا بالدقة وعليه بنيت الإزياج الفلكيه والقواعد الحسابية ويوجد قليل من الفلكيين يجعلون إبتداء اليوم من نصف الليل بدلا من نصف النهار وعليه الإعتماد عند الإفرنج وأيضا فى مصالح الحكومة المصرية .

     كان العرب يستعملون سنة قمرية من أقدم العصور التاريخية وكان بها 12 شهرا قمريا تضبط من رؤية الهلال إلى رؤيته ثانية . وجعلوا منها أربعة أشهر حرم يقعدون فيها عن القتال ويقيمون فيها أسواقهم بعكاظ وغيرها ويحجون إلى الكعبة وهم آمنون فى سفرهم وإقامتهم من الأغارات والسلب وقطع الطريق .  وكان للشهور أسماء معينه سنشير إليها فيما بعد فى فصل مفرد بإذن الله وهذة الأسماء غيرت بالأسماء الحاليه فى أوائل القرن الخامس الميلادى على الأرجح . والأشهر الحرم هى المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة  ويلاحظ أن فيها ثلاثة أشهر متتالية هى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم .

     ولم يكن للعرب مبدأ ثابت يؤرخون به حوادثهم .  ففى أول العهد آرخوا بالسنة التى بنى فيها سيدنا إبراهيم عليه السلام الكعبة . ويتعذر تعيين هذا التاريخ بالضبط ولكن الأخصائيين فى دراسة التوراة أمكنهم بمقارنة التواريخ والأعمار الواردة فيها تحديد التواريخ الأتية :-

1- غادر سيدنا إبراهيم عليه السلام بلدتة وهى آور الكلدانية سنة 1921 ق.م

2- حمل سيدنا إبراهيم زوجتة هاجر وطفلها إسماعيل إلى مكة حوالى سنة 1871 ق.م وتركهما هناك

3- توفى سيدنا إبراهيم عليه السلام سنة 1820 ق.م

4- توفى سيدنا إسماعيل علىه السلام سنة 1773 ق.م

 وإذا أعتمدنا على صحة هذة التواريخ كان بناء الكعبة بعد سنة 1871 أى بعد وصول سيدنا إسماعيل علية السلام لمكة المكرمة .  والمعروف أنه كان يساعد أباه فى بنائها .  فإذا فرضنا أن عمره إذ ذاك كان بين 15.20 سنة كان بناء الكعبة فى سنة 1855 ق0م تقريبا0 وقد إستمر بناء الكعبة مبدأ للتاريخ إلى أن إنهار سد مأرب باليمن وتدفق منه طوفان وصفه القرآن الكريم بسيل العرم فأتلف الزرع وهدم البيوت وأغرق البلاد وتفرقت القبائل وهاجرت من جنوب الجزيرة العربية إلى أنحاء مختلفة فيها . وقد أتخذت هذة الحادثة مبدأ للتاريخ .  والمرجح أن إنهيار السد كان سنة 120 ق.م .  ولم يكن مقدرا لهذا التاريخ أن يستقر إذ غير بتواريخ أخرى نذكر منها ما يأتى :-

1- موت كعب بن لؤى الجد السابع لنبينا صلى الله عليه وسلم سنة 60 م .

2- رياسة عمرو بن لحى . وهو من سلالة حارثة بن عمرو الملقب بخزاعه .  وهذا هو الذى إستولى على  مكه بعد رحيله مع قبيلتة من الجنوب عقب إنهيار السد . ويقال أن عمرو بن لحى هو الذى أدخل الوثنية فى بلاد العرب إذ جلب من البلقاء بالشام بعض الأصنام ونصبها حول الكعبة ويرجع هذا التاريخ إلى سنة 260 م

3-عام الفيل سنة 571 ميلادية عندما أراد أبرهه عامل الحبشة على اليمن أن يهدم الكعبة ويصرف العرب عن الحج لها

4- حرب الفجار.  وسميت بهذا الأسم لأنها وقعت فى الأشهر الحرم فكأنهم فجروا فيها . وكانت بين قبائل مختلفة من الحجاز ومنها قريش وأستمرت أربع سنوات بدأت بسنة 585 ميلادية

     ولما أنشأ النبى صلى الله عليه وسلم الدولة الأسلامية بعد هجرتة إلى المدينة المنورة كانت السنة تبدأ بالمحرم لأنه كان أول الشهور العربية من زمن قديم . وقد ظلت قريش تؤرخ بعام الفيل وكان المسلمون يؤرخون به فلما هاجر النبى صلى الله عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة ترك المسلمون التاريخ بعام الفيل وسموا كل سنة مما بين الهجرة واالوفاة بأسم مخصوص مما أتفق فى تلك السنة .  ولم يعين للسنين مبدأ ثابت تحسب منه بل أطلقت عليها أسماء تدل على أشهرالحوادث التى وقعت فيها.

ومن أمثلة ذلك ما يأتى:

1- السنة الأولى بعد الهجرة سميت سنة الأذن أى الأذن بالهجرة .

2- السنة الثانية سميت بسنة الأمر أى الأمر بالقتال .

3- السنة الثالثة سميت بسنة التمحيص .

4- السنة الرابعة سميت بسنة الترفئة .

5- السنة الخامسة سميت بسنة الزلزال .

6- السنة السادسة سميت بسنة الأستئناس .

7- السنة السابعة سميت بسنة الأستغلاب .

8- السنة الثامنة سميت بسنة الأستواء .

9- السنة التاسعة سميت بسنة البراءة أى براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين ومنعهم من أن يقربوا المسجد الحرام .

10-السنة العاشرة سميت بسنة الوداع.  وفيها حج النبى صلى الله عليه وسلم حجته الأخيرة .

ثم بعد ذلك سار التاريخ أحيانا بنفس الكيفية حتى السنة السابعة عشرة للهجرة وهى السنة التى أسس فيها التقويم الهجرى الذى نؤرخ به اليوم .

 

التالي

السابق